Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
28 mai 2013 2 28 /05 /mai /2013 17:12

DSC01086صورٌ مُتلاحقة تزدحم على أديم الذّاكرة ، صور باهتة لا توحي بشيء و لكنّها تستفز النفس التي تجد في تذكرها سعادتها ، إنّها هادئة اليوم تتأمّل في هذا الكون بعين الرضى ، تحاول أن تجد في ذاكرتها صورة ذلك الكتاب " أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك " كان غلاف الكتاب أحمرا تتوسّطه صورة " خير الدين التّونسي" بلحيته الكثّة و ذقنه المعقوف و شاشيته ، لازمت هذا الكتاب أيامــا شعرت في ذلك الزمن بمتعة كبيرة و هي تطالعه كانت تريد أن تفقه أشياء كثيرة

عن السياسة و  الدين و التاريخ ، بهرتها ثقافة الرجل واطّلاعه على خبايا التّاريخ و إلمامه بالفكراليوناني لقد كانت تشعر بضيق شديد في تلك الفترة وقد خفّف الكتاب من آلامها استوقفتها أقوال عديدة لفلاسفة مشهورين لكن قولة واحدة لأرسطو ذُكرت في الكتاب و ظلّت راسخة في ذهنها إلى الآن لأنّها كررتها مرارا في لحظة غضب صارخة نشأت من وطأة الشّعور بألمين ثقيلين . ألم الغياب و ألم امتحان مادة الحضارة الذي ستمتحنُ فيه قريبا :" العالمُ بستانٌ سياجهُ الدّولةُ

و الدولةُ سلطانٌ تحيا به السّنَةُ و السنّةُ سياسة يسوسها المَلِكُ و المُلْكُ نظامٌ يعضدُهُ الجُنْدُ و الجُنْدُ أعوانٌ يكتنفهم المالُ و المالُ رزقٌ تجمعه الرّعيّةُ و الرعية عبيدٌ يكنفهم العدل و العدلُ مألوف و به قوام العالم ".

لطالما كررت هذه القولة و كانت في كل مرة قرأتها تفتر شفتاها عن ابتسامة باهتة ساخرة . يومها أغلقت الكتاب و قررت أن تجابه الألم الثاني الذي عاد بعد غيبة طويلة من دون أن يخبرها بأوبته وقد اشتاقت إليه و تمنت رؤيته لذلك أزمعت البحث عنه في الأماكن التي تعوّد ارتيادها ، بحثت عنه طويلا ولكن دون جدوى فكأنها تبحث عن ضوء لا يرى إلا من سم الخياط ، و تضاعف شعورها بالذنب لأنها تركت عملها و تساءلت ماهذا الذي تفعله ؟ ستعود جارة أذيال الخيبة ، واستحضرت قول " أوس بن حجر " : أرِبْتُ على الهموم بِجَسْرَةٍ " . و قررت العودة إلى أقوم المسالك و في طريقها احتاجت إلى قارورة ماء فولجت دكانا صغيرا النور فيه خافت و يكاد يخلو من البضائع و في صدارته عُلِّقت لوحة كُتِبَ عليها بخط كوفيّ جميل " لا تجعلها حُسْبَانًا " .

و بحثت عن المعنى و بحثت عن صاحب الدكان و لم يطل بحثها طويلا فسرعان ما كان الرجل يقف خلفها وابتسم قائلا ّ " لا تجعلها عذابا " ، شعرت بارتيا ح لأنّها وجدت الأمرين معا . حملت القارورة بيمناها و قرّ رأيها على مواصلة البحث و لم تذعن إلى أمر هذا العقل المتسلّط  الذي أمرها بالعودة من حيث أتت ، اتجهت نحو آخر مكان يمكن أن

تجد ضالتها فيه ، دخلت القاعة فرأته في مكانه كعهده دائما ، تمهلت في سيرها لأنها شعرت بأنها لم تعد قادرة على المشي ، أيّ ربيثة هذه؟ هل تواصل سيرها ؟ هل تحادثه ؟ استأنفت السّير بخطى وئيدة ، وصلت إلى حيث كان المرام و القصد وليتها لم تصل . كان عليها أن تفهم أن ما قاله في إحدى رسائله لم يكن مزحا 

 

" ينبغي أن لا يغيب عن بالك أن " العبد لله " لم يتخلص من قسوة و خشونة الصحراء التي ترعرع فيها " لقد صدق في قوله فعلا .

وعادت تفتح الكتاب بثبات و عزم ، العالم بستان و الرّعية شجرة ثمارها المال ، و المال حارسه الجند ، واستقامة الدولة بالسنة السياسية التي هي مادة حياة الإنسان.

Partager cet article
Repost0

commentaires